أمثلة لإرهاصات الأزمة
.قبل أقل من إسبوعين نشرت مجلة (eir feetvre) مقالات في غاية الخطورة ننقل ترجمة بعض ما جاء فيها:
أولاً: مقال بعنوان "القوى العظمى تعد لحرب شرق أوسطية، حل نهائي للمشكلة العربية".
قالت فيه:
''تخطط حكومات أمريكا وروسيا وبريطانيا لحرب عربية إسرائيلية جديدة في الشرق الأوسط، ويريد السوفييت والأمريكان والإنجليز قيام تحالف عسكري سياسي بين إسرائيل وسوريا ليكون أمراً واقعاً وقوة لا تنافس في المنطقة، ويدور في أذهان السياسيين الانجلو أمريكيين والسوفييت ما مفاده: أن الوسيلة المناسبة لقيام ذلك التحالف وتدعيمه كقوة إقليمية تهيمن على المنطقة هو نشوب حرب في المنطقة، ورغماً عن صدور بعض الإشارات والدلالات البعيدة عن هذا الهدف إلا أن السياسات الانجلو أمريكية والسوفيتية كانت تستهدف منذ مدة طويلة قيام دولتي إسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى وتهيئتهما لتصيرا قوى إقليمية كبرى في منطقة الشرق الأوسط'' .
وتعرضت المقالة لبعض أهداف الحرب فقالت:
''إن هذه الدول تأمل في حدوث أزمة بترولية جديدة كتلك التي حدثت في عام 1976م، وذلك لأن ارتفاعاً سريعاً في أسعار النفط سيفيد السوفييت فائدة عظيمة؛ خاصة وهم يعتمدون على النفط مع بعض المنتجات القليلة الأخرى في تأمين احتياجاتهم من العملات الصعبة، وسيجعل هذا الارتفاع الحاد في الأسعار مسألة تطوير وتنمية حقول النفط البريطانية في بحر الشمال ذا جدوى اقتصادية، وفي المقابل سيضع ضغوطاً هائلة على ألمانيا واليابان البلدين المعتمدين اعتماداً كلياً على استيراد النفط'' .
وربما كان أحد أهم أهداف الحرب هو خلق سابقة استخدام الأسلحة الكيماوية والنووية، وفي هذا الخصوص يجب عدم تجاهل المؤسسات العنصرية السوفيتية والبريطانية والأمريكية التي تنظر بقلق شديد نحو التكاثر السكاني العربي، وتعتبر هذه الحرب الناشبة حرباً سكانية ذات تأثيرات مأساوية مفزعة، خاصة ما يصيب منها السكان المدنيين عقب الحرب.
وتمضي المقالة تقول:
''الأهداف المحدودة لهذه الحرب كما وردت في اتفاقية تدعيم المحور الإسرائيلي السوري تتضمن إلغاء دور منظمة التحرير الفلسطيني والإطاحة بـالملك حسين ملك الأردن، وإذلال رئيس العراق صدام حسين وربما الإطاحة به، عندما تتحقق هذه الأهداف، فإن سوريا وإسرائيل ستعملان على جعل الأردن وطناً للفلسطينين الذين سيطردون من الضفة الغربية والقطاع، وستعمل سوريا إلى ضم لبنان إليها، وستصبح الأردن مجرد دُمية يتم إدارتها من قبل المحور السوري الإسرائيلي، وستكون الأردن نقطة الانطلاق لمغامراتهم العسكرية المستقبلية'' (يعني: ضد العراق والسعودية).
ونحن نلاحظ في هذا المقال التناقض بين كونها حرباً عربية إسرائيلية وبين المكاسب السورية، إذا علمنا ذلك وعلمنا أن سوريا لم تحضر قمة بغداد، وكانت تعاني من عزلة شديدة عربياً ودولياً مع تقارب بينها وبين إسرائيل الذي أشرنا إليه من قبل.
نستطيع أن نقول:
(إن الحرب لن تكون كذلك وقد ورد في ثنايا المقال ما يؤيد رأينا) وذلك بعنوان: "العراق" تقول المجلة:
''العراق وحده من الدول الموجودة لا تتناسب سياستها مع السياسة الإقليمية في المنطقة بالإضافة لعدائها مع كل من سوريا وإسرائيل، ويقول الكثيرون: إن من المحتمل أن يكون العراق أنسب نقطة لحرب شاملة، وبالرغم من تضخيم وسائل الإعلام الغربية للقدرة العسكرية العراقية؛ فإن الجبهة الشرقية المكونة من قوات عراقية أردنية مشتركة ليست كذلك.
إذ تتمكن القوات الإسرائيلية من اختراق الخطوط العربية من فترة 2/3 ساعات بالمقارنة مع فترة 6 ساعات التي استغرقتها القوات الإسرائيلية لاختراق الخطوط المصرية عام 1967م، وستعمد القوات الإسرائيلية في باقي الفترة إلى تطهير الإقليم الأردني، ولن تحاول القوات الإسرائيلية التجاوز إلى عمق العراق أو دخوله مطلقاً، حيث من المتوقع قطع خطوط القوات الإسرائيلية في الأردن، إضافةً إلى أن إسرائيل ليست لديها القدرة على التعامل مع المناطق العراقية المأهولة بالسكان، وربما ترى إسرائيل مناسباً توجيه ضربة عسكرية لحقول النفط العراقية شمال العراق.. إلخ'' .
ثم انتقلت إلى الحديث عن الأردن فقالت:
''الأردن: أوضح بوش للملك حسين أنه لم يعد من المناسب وجوده حيث وصلت العلاقة بين الأردن وأمريكا إلى أدنى مستوى لها، ويحتج بوش في موقفه العنيف هذا ضد الملك حسين بعلاقته الأخيرة القوية مع صدام حسين؛ إلا أن السبب الحقيقي هو حل المسألة الفلسطينية نهائياً وإلى الأبد".
وبالنظر بشكل عابر للصحافة الأمريكية والبريطانية يلاحظ أنه قد تم بناء الأساس الدعائي للحرب من خلال تصوير صدام حسين كبعبع في المنطقة، وتولت وسائل الإعلام الغربية العزف على وتر التهديدات التي أطلقها صدام ضد إسرائيل، وقامت هذه الوسائل في الوقت نفسه بالتغاضي عن التهديدات الإسرائيلية لمختلف الدول العربية.
وفي مقال آخر تقول المجلة نفسها:
''إسرائيل تجهز لقيام حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط لإيجاد حل نهائي للمشكلة العربية...، وهذا يعني فيما يبدو الحرب ضد العراق ودول أخرى وتدمير الأردن'' .
وتسخر من مزاعم بوش أنه يسعى للسلام في المنطقة قائلة:
''هذا هراء فـالولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بقيام حرب في الشرق الأوسط، وربما كان الشيء الوحيد الذي لم يتحدد هو تاريخ اندلاعها، أما الإسرائيليون فهم مستعدون للحرب ولِما يُسمى بالحل النهائي'' .
وقالت: ''ربما كانت هناك أو ستكون على الأرجح اتفاقات جديدة بين القوى في إسرائيل وحافظ الأسد أو شيء من هذا، وإذا ما تم وضع القضايا الهامشية جانباً فإن إسرائيل مبرمجة حالياً باتجاه الحرب، والذين يقولون غير ذلك إما أغبياء أو كاذبون، إن ذلك هو طبيعة المسألة وأصلها'' .
وفي الفايننشال تايمز نُشر ما يشبه ذلك، وترجمته مجلة التضامن في عددها بتاريخ 3/12/ 1410هـ مع خارطة تفصيلية عن أحجام القوات في دول المنطقة، وأوله:
''من المعهود أن الرئيس حسني مبارك هو رجل حذر وحريص وليس من أسلوبه المبالغة أو المزايدة، ولذلك فهو حينما حذر في هذا الأسبوع من احتمالات وقوع حرب جديدة في الشرق الأوسط فإنه لفت أنظار العالم بأسره'' ولم تنس الجريدة أن تذكر أن (التطرف الديني المصبوغ بمعاداة أمريكا) هو أحد المشكلات الكبرى في المنطقة، كما ذكرت أن من أهم موجبات الحرب:
تعهد الجناح اليميني الإسرائيلي بتحويل الأردن إلى فلسطين، وبطرد الشعب العربي من الضفة الغربية إلى الشرق عبر نهر الأردن.
وقبل الغزو أيضاً بحوالي عشرين يوماً عقدت ندوة بعنوان: "المصالح الخارجية في الخليج العربي" في مدينة إكستر البريطانية نشرتها الحياة بتاريخ 24/12/1410هـ، نظمها مركز دراسات الخليج العربي التابع لجامعة إكستر، وكان أبرز المشاركين فيها "ريتشارد مورفي" النائب السابق لوزير الخارجية الأمريكي ومستشار العلاقات الدولية حالياً، والبروفسور فيتالي ناوومكين- وهو خبير سوفيتي بارز لشئون الشرق الأوسط.
أما الخبير السوفيتي فإنه كما ذكرت الجريدة لم يستبعد أن اجتماعاً محتملاً مقبلاً بين الرئيس العراقي صدام حسين والإيراني علي أكبر هاشمي رافسنجاني قد يعقد في موسكو، لكنه دعا إلى عدم الإفراط في التفاؤل بأن منطقة الخليج ستكون في (مأمن من الصدامات في المستقبل المنظور) وأضاف:
''إن تصادم المصالح بين القوى الإقليمية والقوى السياسية قد يؤدي إلى تجدد صراعات قديمة في المنطقة، وينتج من ذلك نشوء صراعات أخرى جديدة'' ونفى الخبير السوفيتي إمكان وقوع حرب عربية إسرائيلية في هذه الظروف وبرر -ناوومكين- استبعاده للحرب بين إسرائيل والعرب بسببين:
''السبب الأول: هو: أن "من الغباء" بالنسبة إلى إسرائيل أن تشن حرباً في ظل الأوضاع الجديدة في المنطقة، حيث تتراكم لدى طرفي النزاع كميات هائلة من الأسلحة المدمرة، التي يمكن أن يؤدي استخدامها إلى كارثة بشرية تحل بإسرائيل وهي لا تتحمل ذلك.
والسبب الثاني: هو: أن العراق الذي "يُعتبر الطرف العربي القوي الوحيد القادر على الدخول في حرب الند للند مع إسرائيل، ليس مستعداً لشن حرب ضد إسرائيل، لأنه على رغم انتهاء حربه مع إيران لم يحل السلام بينهما بعد؛ كما أن العراق في حاجة ماسة إلى طاقته الاقتصادية والبشرية لإعادة إعمار البلاد...''
أما مورفي فقال: ''إن شبح عام 1967م يطاردني'' لأنه لم يكن هناك وقتها كثير من الخبراء توقع وقوع الحرب، واعتبر أن تراكم الأسلحة تحديداً هو الذي يجعل احتمال الحرب أكثر؛ لأن الخطر ليس في الأسلحة في حد ذاتها! بل في الذين في أيديهم هذه الأسلحة!
وقدم مورفي مجموعة من الطروحات عن السياسة الأمريكية في منطقة الخليج الآخذة في الاعتبار التغييرات في العلاقات الدولية.
وأكد أن من بين أهم المبادىء التي يجب أن تتبعها هذه السياسة التأكيد على الفهم المتزايد للعلاقة المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة الخليج، وإذا كان ممكناً إقامة علاقات جيدة مع العراق وإيران في آن.
كما نشرت مجلة الدستور مقالات مماثلة، منها مقال بعنوان "من الحرب الباردة إلى الحرب الدافئة" تعليقاً منها على اجتماع حلف الناتو الأخير في لندن، ونُشر قبل الغزو بثلاثة أسابيع في 16/7/1990م، وفي عدد سابق بتاريخ 19/3/ 1990م نشرت مقالاً عن الهجرة اليهودية، وأهداف إسرائيل لا يخرج عمَّا نقلنا من قبل إلا أنه يتضمن كلاماً لـمحمد حسنين هيكل جدير بالتأمل وهو قوله:
''إن طرد العرب من المناطق المحتلة سيشكل أحد المطالب التي سيتقدم بها الكيان الصهيوني لقاء استعداده للتوصل إلى سلام مع الدول العربية، فضلاً عن المطالبة بثروات عربية مثل مياه النيل ونفط السعودية وغاز الجزائر، وأن أقصى ما سيتنازل عنه مسئولو هذا الكيان سيتمثل بموافقتهم على فكرة الحكم الذاتي عقب إجراء تعديلات هائلة على الحدود'' .
وقبل 18 يوماً تقريباً من الغزو كان رئيس الأركان الأمريكية في إسرائيل وبحث مع نظيره اليهودي تزويد إسرائيل بصواريخ متطورة جداً من طراز "حيتس" و"أرو" وهي التي يقال إن إسرائيل تشارك فيها تقنياً وأمريكا مالياً (انظر جريدة السياسة الكويتية عدد 22/ 12/ 1410 هـ). وحينها صرح رئيس الأركان الإسرائيلي باروخ عن حتمية نشوب حرب أخرى في المنطقة. (انظر الحياة بتاريخ 22/12/ 1410 هـ).
وقد صحب هذه التصريحات بل سبقها تحركات عسكرية خطيرة من أبرزها: الحشود العسكرية الأمريكية نحو المنطقة في كثافة لا مثيل لها من قبل، ومنها على سبيل المثال: إرسال أكبر قاعدة متحركة في العالم وهي حاملة الطائرات (ايزنهاور) التي تسير بالطاقة النووية إلى شرق البحر الأبيض ومعها 27 سفينة، والغريب أن يصرح البنـتاغون بأن إرسالها تبديل عادي (ولا تستنتجوا منه أي شيء). (انظر الحياة 13/8/1410 هـ).
ولكن ما أن اندلعت أزمة الخليج حتى عبرت قناة السويس (رغم أن ذلك مخالف لنظام القناة نظراً لخطورة الطاقة النووية) واستقرت على ساحل جدة!!
كما اشتكت العراق رسمياً من استمرار قيام طائرات الإنذار المبكر (أواكس) بطلعات استفزازية على حدودها الجنوبية والشمالية!!
والأمثلة لإرهاصات الأزمة كثيرة جداً غير أن السؤال هنا هو: ما موقف دول المنطقة وخاصة العراق والسعودية؟